الأربعاء، 27 فبراير 2013

المحظرة في أوجفت وما جاورها


عندما يذكر لفظ المحظرة يتبادر إلى ذهن السامع تلقائيا أنها المدرسة الجامعة الشنقيطية تلك التي تمتاز عن غيرها من المدارس بتقاليد بدوية ومناهج تعليمية متنوعة ومناخ ينمنمه خلو البال والعيش في كنف موهبة ذاكرة الحفظ الأصيلة الموريتانية

تلك التي تسببت عالميا في صفتين مشهورتين لبلاد موريتانيا أولهما ( بلاد المليون شاعر ) والثانية المقولة المشهورة: (نزل القرآن) في السعودية وجود في مصر وحفظ في موريتانيا.

إنها تلك المحظرة التي كان يوصف شيخها بالجامعة المتحركة وكانت أنوارها حطب يجمعه الطلاب فيوقدونه ومياهها في الآبار التي قد تكون عميقة وطويلة وكان كل طالب يأتي ببدنة أو بقرة أو شاة ويكتفي بضرعها وتارة يكون معه في ذلك غيره مدة طويلة.

وقد تمضي الأيام والليالي ولا طعام , ومع هذا كانت تضرب أكباد الإبل من مشارق الأرض ومغاربها إلى ما توفرت فيه هذه الأوصاف من محاظر

أما اليوم وقد أصبح شيخ المحظرة ثابتا وقد امتلأت عليه من المصابيح الكهربائية وتفجرت حنفياتها ماء وأصبح طلابها يسددون مبالغة مالية متفاوتة تارة وتارة وكثر المطعم والمشرب فما الفرق بين اليوم والأمس؟ وهل المحظرة اليوم جامعة كما كانت؟ ومن أي أرض يأتي إليها الطلاب؟ إن كان لها طلاب وهل في ولاية آدرار شيء من هذا أو ذاك؟

كانت الأجيال زمن نهضة المحظرة تعيش وتتربى في أحضان أسر تحب المحاظر وترى فيها مصلحتي الدنيا والآخرة وتعتبرها نظاما دراسيا لازما لكثير من شرائح المجتمع إلى أن جاء المستعمر وفرض غزوه الفكري - آن ذاك – وبدأ الناس يجنون ثماره اليوم ودفعت المحظرة كل ما عندها في سبيل ذلك حتى الطلاب والمشايخ ولم يبق في موضعها غير اسمها ورسمها  وأدواتها ومن ثبت بعد الفتنة ولم يثبت فيها إلا قليل.

وذلك لأسباب منها على سبيل الإيجاز لا الحصر:

1-       غلق أبواب الوظائف أمام طلاب المحاظر إلا من انخرط منهم في سلك النظم الفكرية الغربية فلا تسمع عن اكتتاب موظفين للدولة ولا لشركة من الشركات يشترط فيها ختم القرآن أو أي شيء من الفقه أومن الحديث لكنك في المقابل تسمع عن اكتتاب يشترط فيه الختم الإعدادي أو الثانوي أو نحو ذلك

2-       محاولة محو الشريعة الإسلامية تدريجيا من التعليم النظامي والتي هي العمود الفقري للنظام المحظري.

و قد انتبه بعض المحسنين لهذه الحقائق وعالجوها بطرق متعددة خصوصية في أكثر الأحيان فأنشئوا ما يسمى بالمعاهد والمراكز والمحاظر النموذجية.

.نذكر من ذلك على عجالة فكرة المعهد السعودي التي لم تعمر طويلا في بلادنا.

وفكرة أخرى ما زالت تقاوم منذ عقود من الزمن وهي فكرة معهد بن عباس للدراسات والبحوث الإسلامية التي تتبناها لجنة خصوصية تسمى لجنة المساجد والمحاظر وتشترط حفظ القرآن في الاكتتاب له وقد نجحت الفكرة في كل شيء إلا في معادلة الشهادة.

وفكرة معهد خالد في توجنين ومعهد مالك في عرفات (كرفور) وفكرة معهد الفاروق في الميناء و فكرة المحظرة النموذجية في لكصر وغيرهم.

وفي السنوات القليلة الماضية أنشئت فكرة معهد أبي المعالي في دار النعيم (دار السلامة) والتي عقبتها بقليل فكرة إنشاء مجمع مالك بن أنس في أطار التي هي عبارة عن معهد و محظرتين إحداهما للرجال والأخرى للنساء وقد نجحت فكرته في البداية ووفد إليه الطلاب من أوجفت وشنقيط ووادان وتخرجت منه الدفعة الأولى بسلام والثانية دون ذلك وهكذا ثم هاجر أساتذته المقتدرون إلى أهليهم لأسباب اقتصادية فخلف من بعدهم بعض طلابهم.

والمعهد المذكور طلابه اليوم قليل للغاية وبعض الفصول الدراسية لا توجد فيه إطلاقا بل قد أغلقت وتارة يكتتب الطلاب فلا يأتيه إلا القليل وتارة لا يكتتب وذلك في الأصل راجع إلى سوء تسيير في الإدارة أو ضعف تمويل.

وفي أطار كذلك محظرتان عريقتان قديمتان إحداهما في امباركة واعمارة ولم يبق غير رسمها والثانية قرب المستشفى الجهوي بأطار تسمى بالغرباء ولا يدرس فيها اليوم إلا القرآن وجل القاطنين فيها يعملون في السوق.

.ومحاظر كثيرة أخرى نعرض لها في مقال آخر بالتفصيل - إن شاء الله - لكي لا يطول الكلام ويمل القارئ

أما عن مقاطعات الولاية بدءا بشنقيط فإن أشهر المحاظر اليوم محظرة إمام العتيق ولد البح ومحظرة أهل حبت و محظرة أهل أحمد محمود وعطاء الجميع متواضع نظرا لقلة طلابهم وأكثرهم صبية هذا إضافة إلى أن المشايخ يمتهنون تارة مهنة غير مهنة التدريس.

ومن أشهر المحاظر في وادان محظرة أبي عطاء الله التي هي تحت رعاية الإمام ولد أبنو إلا أنها لا تدرس غير القرآن ومحظرة الإخلاص في تل لبة وهي للقرآن فقط وقد تبنى أطر وادان مبادرة جليلة وهي أنهم خصصوا راتبا شهريا معتبرا لأحد العلماء ليسكن في وادان ويستفيد منه القاصي والداني منهم ومن غيرهم.

أما عن أوجفت فقد كان قديما البلد الأوفر حظا وكل جماعة مسجد العتيق فيه كانوا حفاظا يتلون ما يسمى عندهم بالحزب وكل بيت كان كأنه محظرة أما اليوم فليس الحال كذلك بل هو بعيد من ذلك فمن أشهر المحاظر فيه محظرة أهل أحمد بن عبدي التي تدرس شيئا من النصوص ومحظرة دحان ولد سحنون وتوت بنت الخيمة إضافة إلى فكرة محظرة شمس الدين في وكشضة ومحظرة أهل سيدينا في المعدن وفي رقبة آدرار محاظر قرآنية نحو هذه ليست جامعة.

ولهذا ونظرا لما سبق ذكره من حقائق فإن المحاظر في نظري تحتاج إلى مشايخ وأساتذة مقتدرين لهم مناهج ميسرة يستفيد منها الطلاب كما يحتاج المشايخ والأساتذة - كي يستمر العطاء العلمي والمعرفي – إلى ممولين مخلصين فهل من مبادر كمبادرة رجال الأعمال الأطاريين أو الأطر الوادانيين.

إن فكرة إنشاء معهد أوجفتي أو مركز أو محظرة نموذجية مسؤولية جسيمة تقع على عواتق الجميع وخصوصا الموكل إليهم الأمر من أهل المقاطعة بدءا بالعمدة مرورا بالنائب وانتهاء عند الشيخ بعيدا وبعيدا كل البعد عن شوائب السياسة واستبدادها وحروبها الباردة والحامية.

أما إذا كان هؤلاء لا يفهمون أو ليس لهم قدرة أو يفهمون ولهم القدرة ولكن لا يهتمون وليس هذا التوجه أساسيا عندهم فتتحول المسؤولية حينئذ إلى غيرهم من رجال الأعمال والموظفين الساميين والمثقفين والعامية كي ترجع أوجفت إلى ما كانت عليه على عهد السلف القريب وكي نكون خير خلف لآخر سلف.

مهتم بالشؤون الدينية

محمد بن المنير بن باها

0 التعليقات:


المنشورات هنا لا تعبر بالضرورة عن رأي مدونة مقاطعة أوجفت