السبت، 2 يونيو 2012

الجوانب الإبداعية في تجربة "السني عبداوه" الشعرية


بسم الله الرحمن الرحيم

  الجوانب الإبداعية في تجربة "السني عبداوه" الشعرية 

بقلم: أ.محمد الأمين بن محمد محمود بن كيه

هو الذي قال 

أضحت أميمة من تصريف ذي المنن    تحتال كي لا أراها اليوم أوترني

كأنها لم تكن هي التي شهدت    ودا لنا قد صفا يوما ولم أكن

إنه "رائد أدب الحوار الإعلامي" في موريتانيا ,الإعلامي والباحث الأديب الشاعر السني بن ماء العينين بن عبداوه ,ولد بضواحي مدينة أوجفت التاريخية س1950م في بيئة علمية وثقافية فجده محمد الفتح بن عبداوه (فقيه عابد من أهل القرآن ,أخذ الطريقة عن الشيخ ماء العينين ومكث عنده زمنا بالسمارة وكان كثير الذكر والعبادة ,وفي السماره ولد له ماء العينين الذي سماه باسم شيخه ) وماء العينين هذا هو والد الشاعر السني المعروف بالسني عبداوه.

درس السني القرآن على جده من الأم محمدعبد الرحمن بن النعمان والتحق س1968بمحضرة الفقيه محمد الامين بن سيد أحمد بن البشير الغلاوي بأطار فمكث فيها أكثر من 10 سنوات يدرس العلوم الشرعية واللغوية , وفي نفس الفترة كان مولعا بمتابعة البرامج الثقافية الهادفة في المحطات الإذاعية العربية (إذاعة"صوت العرب"مثلا .......).

كل هذا الإصرار على الاغتراف من معين العلم والمعرفة كوّن شخصية علمية فذة متعددة الجوانب (قرض الشعر , تأليف الكتب ,كتابة الروايات )والذي نركز عليه هنا في هذا العرض هو التجربة الشعرية الخصبة التي نجمل الحديث عنها في الأعمدة الرئيسية الآتية :

الأدب والإعلام :-1

يعتبر الشاعر السني عبداوه رائد أدب الحوارالإعلامي في موريتانيا ذلك أن الإنتاج الأدبي للفقهاء المرتبط بوسائل الإعلام عرف ازديادا وغزارة في مادته خلال العقد الأخير من القرن العشرين مع ظهور المسطرة الرمضانية في الإذاعة والتلفزيون ولقد حرك قرائح الفقهاء اعتماد الصحفيين المضيفين :الشعر وسيلة للترحيب أو توجيه التسائل الفقهي وأحيانا لنظم لغز حول موضوع ما فيبادر  الفقيه بالإجابة ملتزما البحر والروي , ومن أشهر الصحفيين الذين حاوروا الفقهاء بواسطة الشعر :

الإعلامي الإذاعي الأديب السني عبداوه من خلال برنامج "رمضانيات على الهواء " وبرنامجه الأسبوعي "بيت الساهرين " ,ففي إحدى الحلقات كان الضيف هو العلامة محمد سالم بن عدود فرحب به قائلا :

أهلا بمن لم يقل عذرا لسائله       عن حكمه قط جهلا في مسائله

عدود من بث شرع الله في بلد       شرحا ودرسا وقام رهن سائله

وفي حلقة اخرى كان الضيف          الفقيه حمدا بن التاه فرحب به قائلا:

حمدا لمن يستحق الحمد أن جبرا         كسر الخواطر منا بعد ما انكسرا

"حمدا "يبلغنا فقه العلوم بما         أبدى لنا الدهر ههنا وماابتكرا

فازدان مجلسنا بعلمه وبه         يزدان مجلس أهل العلم والشعرا

أهلا به من كريم حل ساحتنا         أهلا وسهلابه على الهوا سحرا

   فأجابه حمدا :إقرأ البقية

إني لأشكر" للسني" ماذكرا        فهو الأديب إذا ماجئت مختبرا

كم ليلة بت مشدوها بنبرته             في سهرة تجمع الكتاب والشعرا

فتارة في مجال الفقه يتحفنا        وتارة في مجال الطب والخبرا

وكان موضوع  ظهور "اللائي لا يدنين عليهن من جلابيبهن " على شاشات التلفاز مثار أحد الحوارات الأدبية عبر أمواج الإذاعة فتسائل السني :

حسناء فرعاء من تبدي بشاشته        قدًّا ووجها صبوحا من بَشاشته

تبدو وتهرب منه في مسلسلها        غدرا وتوقد نارا في حشاشته

هل يعذر الشرع مفتونا بطلعتها        أم لا سبيل لمن تبدو بشاشته؟

فأجابه حمدا :

قد يقبل الشعر في ميدان سهرته        ما يرفض الشرع في ميدان حرمته

وقد يليق بندب في حداثته        ما لا يليق بشيخ بعد كبرته

وينوع الإعلامي الكبير السني من محاوراته لضيوفه الفقهاء فينظم ألغازا لبعض الآلات والوسائل, يقول في لغز "الميزان" :

أكرم به حكما بالحق يلتزم        في الحكم أعدل حكم صاغه حكم

أوصى الإله به خيرا وقلده         حكم العدالة بين الناس مااحتكموا

وليس فظا غليظا في تعامله        ردعا إذا ماالورى من حوله اختصموا

ولا جنود له يخاف بطشهم         ولا له كتب ولاله قلم

كلا ولا مجلس منهم يشاوره   في حكمه إن قضى في الحكم بينهم

وكان جواب أحمد بن النيني :

يسدي أولوا العلم للقاضي مشورتهم    للعدل بين الورى في مافيه إختصموا

لكن لغزكمُ أبدى لنا حكما      يصوغ أفضل حكم صاغه حكم

وبعد ما حرت في ذا قلت معتمدا    على البديهة :في "الميزان" لغزكم

ويقول في لغز مدينتي "تيشيت" وتجكجه" :

يامعشر السامرين هاكمُ عجبا     لغزا يحير أهل الفكر والفطن

مدينتان لنا في المجد مفخرة   قدكانتا عندنا من خيرة المدن

هذي بها عَلَم قدما تخيرها    وذي بها حدث في آخر الزمن

كلتاها خمسة من أحرف جمعت    صنوين صنوين غير اثنين فلتزن

ذات اليمين إذا قرأت أحرفها     أو عكسها عُرفت في سائر الوطن

فأجابه ولد النيني :

اللغر حيرني جدا وأرقني    كما يحير أهل الفكر والفطن

مدينتان لنا ........................................

"تيشيت" نصف جوابي حيث شيدها        بالعز والنصر عبد المؤمن الحسن

وفي "تجكجه" محط العلم من قتلت    لكبلاني جواب السائل الفطن

والنماذج كثيرة نكتفي منها بهذا القدر , ونظرا لهذه الريادة الإعلامية الأدبية المذكورة كثرت رسائل الثناء شعرا ونثرا على هذه الشخصية البارزة من طرف كبار علماء وأدباء البلد , يقول عنه العلامة حمدا ولد التاه :

"عبداوه "إنك بالآداب تتصف    مهما تصدرت في الميدان تختلف

من بحر علم من الآداب يصحبه    ناي تلطفه الأسحار والغرف

ولأحمد ولد النيني فيه :

تساؤلات من "السني"الأديب حوت    سلاسة الشعر فيها مع طرافته

ومدحه الشاعر محفوظ بن أحمذيه قائلا :

قلبي وقلبك "بيت الساهرين"أضا     ولا مرد لما رب العباد قضى

قضى بأن يجعل "السني" نابغة      فسر أعيان ذبيان بذاك رضى

2  الشعر الإجتماعي:

وفيه ركز على القضايا العامة التي تهم المجتمع يقول في قصيدة بعنوان "صوت الضمير" عن ضرورة نبذ التفرقة بين فئات المجتمع الواحد :

مهلا بني وطني إن الإله محا      فوارق الجنس والألوان والحرف

لا فضل بين عباد الله قاطبة    إلا التقى والنقى صيانة الشرف

لا اللون معيار فضل عند صاحبه          فاللون في طرف والفعل في طرف

    

وفيما يخص أهمية تعلم المرأة يقول :

لا تقبعي في حنايا الظل وانطلقي    لا ظل لا ظل قبل الشمس والعرق

قالوا لك البيت مأوى ماحييت به       إن النساء متاع البيت فاختنقي

سبحانه هل نسوا أيام فاطمة     ترحى لتنتج ملئ الكف في طبق؟

سبحانه هل نسوا أسماء في أحد      أم في حنين ليال الخوف والقلق

سبحانه هل نسوا عند احتدام وغى     من خولة سيفها المسلول في العنق

ليس الجمال جمال الوجه من بهج      إن  الجمال جمال الوعي والخلق ....

وله في الرثاء 2-

نظم السني الكثير من قصائده في رثاء أعلام البلد فلقد رثى الشيخ محمد فاضل بن شمس الدين القلقمي مؤسس مدينة أوجفت فقال :

ياعين جودي بدمع الشوق والكمد     بردا على صفحات الوجد في خلد

فما لدمعك معنى إن بخلت به     والدمع أهون  ماينال من أحد ....

أقول لنفسي بعد ماصفت وصحت    من نومها وانتحت صبرا على مضد

أنى لك شوق والرحال قد نزلت   ينبوع بحر التقى والجود والرشد

قطب الرحى من تدور حول حضرته    دوائر المكرمات الغر والسدد

محمد الفاضل الولي من سطعت     به شموس الهدى في سائر البلد

بحر إذا ماتعالى موج نفحته    ترعرعت في حنايا الفيض والزبد

ويقول في رثاء محمد أحمد بن الإمام :

آه لأوجف مما قد دهاه وآ     ه ثم آه لذات الفقر والعلل

وللمحاظر في أركان مسجده      والمسجد العامر المعمور بالعمل

والطالبين لحكم عز مبحثه            والباحثين عن الإنصاف من زلل

آه لهم من لهم من بعد عهد أبي      عبد الرحيم لذلك المنزل الطلل

ألا لعمري  وقد خط القضا أزلا      إذ لامرد لما قد خُط في الأزل

لقد مضى وانقضى عهد سيذكره      لابن الإمام زمان الفضل والمثل

وله في رثاء الإمام جيلي بن انتهاه :

رزء له النفس تنثني وحق لها    أن تنثني بعد "جيل" عمرها وتني

لا سيما إن تكن في المال غايتها     فجيل ينفقه وقفا بلا منن

أو كان مطلبها علما تحصله      فجيل ديدنه علم من السنن

إرث توارثه عن كابر خلف     عن كابرخلف عن جده الحسن

ياابن انتهاه لقد جلت مصيبتنا      فيكم وعمت فضاء البدو والمدن

لكننا بالقضا نرضى ونصبر ما    يقضي به ربنا بالحمد والمنن

 شعر الغزل :

أبدع السني في غرض الغزل  فكانت طريقته أن يبدأ نصوصه الشعرية بالغزل الرقيق ثم يخلص إلى الغرض المراد ولذا نلاحظ أنه في مراثيه يفتتح بالنسيب فيربط بين هذين الغرضين المتباعدين بأسلوب جذاب ممتع ثم يستدرج المتلقي إلى الغرض الرئيس الذي هو الرثاء "بحسن التخلص" يقول مثلا :

واحسرتي هل إلى لقياك من سبل      أم أن وعدك لي درب من الهزل

إن الوفاء بوعد الحر مكرمة     والخلف للحر جرح غير مندمل

لا بأس لابأس في أن تخلفي وتفي       فقلب ذي الشوق لا يخلو من الأمل

إني لآمل أن أحظى بوعدك لي     يوما أو أن تذكري لي صاحب المثل

(خير العطية ماكانت معجلة            وأكرم الناس من يعطي على عجل)

أوتذكري من خصال كان يحفظها    في "أوجفا" كالوفا والصدق في السبل

محمد أحمد الذي لفرقته      وقع على قطر ذي الإسلام كالجبل

آه لأوجف مما قد دهاه ...........................................

:وله أيضا في نفس الغرض :

أضحت أميمة من تصريف ذي المنن .............................

كأنها لم تكن هي التي شهدت ...............................

عهدي بها زمنا ترعى عواطف من   يهوى فلا يختشى من صولة الشجن

أبكي على دمن لها وأسألها    عنها وعما مضى في سالف الزمن

وليس لي من عزاء في تذكرها   إلا الهوى والجفا أوصور الدمن

وهكذا الدهر لاتحلو محاسنه   إلا وكدّر ما من فعله الحسن

وإذا كانت العبقرية الشنقيطية لا تخبوجذوتها وإنما تنتقل عبر الزمان والمكان فإننا نتحدث هنا عن شاعر من شعراء الجيل الأول في موريتانيا هو الشاعر الأوجفتي السني عبداوه الذي يشترك مع شغالي بن أحمد محمود الغلاوي شاعر "شنقيط" في غزارة الإنتاج وقيمته الأدبية الكبرى فضلا عن أنهما من أعلام  الشعراء البارزين في ولاية آدرار.

:وقد تنوعت مضامين تجربة "السني عبداوه" الشعرية لتمتاز بالخصائص التالية 

امتلاك ناصية اللغة ومن ثم وجود سعة الخيال ودقة التصوير

 الطرافة والمتعة

أنه صاغ أغلب نصوصه في بحر البسيط "وهو من البحور  التي بقيت موفورة الحظ يطرقها كل الشعراء وتألفها آذان الناس في بيئة اللغة العربية" .

:وهذه نبذة عن دراساته ووظائفه ,أنجز السني الأعمال التالية 

تحقيق كتاب المنة (مطبوع)

طبقات الإمامات السبعة (مطبوع)

 إذاعة موريتانيا ورحلة المصير (مطبوع)

الأشباح (رواية تاريخية)

ديوان شعري بعنوان :أصداء السنوات العجاف (مخطوط) وغير ذلك,

ومن الوظائف التي تقلدها :

مدير الأنشطة الثقافية في سفارة ليبيا في انواكشوط

رئيس مصلحة البرامج الثقافية في الإذاعة الوطنية

عضو اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين.

هذه إذن قراءة عابرة في هذه المختارات الشعرية الرائعةغرضها التنبيه على أهمية هذا العطاء الأدبي الضخم , والإشارة إلى الحاجة الملحة إلى أن يرى النور تعميما للفائدة ووفاءا لصاحب هذا الإسهام المهم الذي  ينحت من التراث الشنقيطي التليد.

وحسبي أن أكون قدمت تعريفا متواضعا ببعض الإبداع الأوجفتي الأصيل الذي لم يجد إلى الآن حقه من الدراسة النقدية الجادة , ومن الجدير بالذكر أن هذا الديوان الشعري الضخم الذي أنتجه الشاعر المبدع السني عبداوه لم يحظ بالنشر منه سوى شذرات قليلة في كتب مطبوعة ورسائل جامعية هي التي تم تناولها في هذا العرض ولعل شهرة هذا الأديب في حقلي الإعلام والتأليف طغت على تأثيره الأدبي الملحوظ في برنامجه الشهير "بيت الساهرين".

ومهما يكن من أمر :فنحن أمام شاعر معاصر جمع بين طرفي الأصالة الواعية والمعاصرة الملتزمة وأدرك "رسالة الأديب في الحياة الإنسانية" فعرض مواقفه من قضايا وطنه وواكب نهضته ولم يخل شعره من الطرافة والإمتاع كما حقق في أدبه الدعوة إلى معالي الأمور وهي الخصال التي سنها الشعراء قال الشاعر القديم :

ولولا خصال سنها الشعر مادرى        بغاة  العلا من أين تؤتى المكارم

ولا أحصر الأغراض التي طرقها الشاعر في ما تم الحديث عنه وإنما هذا غيض من فيض وقليل من كثير مراعاة لقاعدة "ما لايُدرك كله لا يترك جله".

وصفوة القول:

إن التجربة الشعرية التي بين أيدينا هي مثال للجودة وعلو الكعب والأخذ بناصية الإبداع الشعري وذلك هو ماتوضحه

: النماذج المعروضة التي هي 

"يوانع حلو أكلها متنوع    فإن تخل من نوع من آخر ما تخلو"

:قائمة المصادر والمراجع

 السني عبداوه, إذاعة موريتانيا ورحلة المصير ,مطبعة الكتاب ,2010م

رياض المعارف ,منشورات إذاعة موريتانيا , 2001م

 الشعر الفصيح في أوجفت ,محمد عبد الرحمن بن الإمام ,مذكرة جامعية ,كلية الآداب جامعة انواكشوط

 أحمد بن الأمين ,آليات التواصل لدى العلماء الموريتانيين ,مذكرة جامعية ,كلية الآداب جامعة انواكشوط

 

 بقلم :أ.محمد الأمين بن محمد محمود بن كيه


 

0 التعليقات:


المنشورات هنا لا تعبر بالضرورة عن رأي مدونة مقاطعة أوجفت