الأربعاء، 8 أغسطس 2012

اشكالية التنمية في مقاطعة أوجفت.. المعوقات والآفاق

عبدي ولد البشير ولد امحيحم



 لقد شكلت مقاطعة أوجفت عبر عصور عدة من التاريخ؛ نموذجا حضاريا فاخرا على أكثر من ميدان سواء تكلمنا في مجال الإشعاع الثقافي؛ أو المكانة الرائدة في سجل المقاومة ضد المستعمر؛ أو القيمة الاقتصادية؛ أو الأهمية السياحية؛ أو الانسجام الاجتماعي الى غير ذلك من المجالات التي سجلت هذه المقاطعة حضورها الفعال في ميادينها بشكل جلي.
كما ظلت أودية هذه المقاطعة على مر العصور أنشودة القاصي والداني: بمظاهرها السحرية المفتنة؛  واحات غناء يتفيئ ظلالها عن اليمين وعن الشمائل؛ تحدق بها الهضاب الشاهقة مكونة طوق  التضاريس البديع؛ وتحفها كثبان رملية ذهبية متوهجة، وناعمة كأنما هي در منثور، أو حرير مفروش ... جادت بها الطبيعة على شعب أبي، طيب، مسالم و وخيًّر ... يداعبك هواءها الرطب العليل الممزوج بنبع الماء العذب الزلال ... أرتادها البعض كدواء شافي لمظاهر من الاعتلال النفسي الناجمة عن مخلفات الاكتئاب والتوتر ... وكذا مخلفات الملل والإرهاق البدني الناجم عن صخب وروتين المدن الممل، وهوائها الملوث الخانق، فكانت بذلك ملاذا للكثيرين خلال مواسم (الكيطنة)؛ فتبارك الله أحسن الخالقين إذ ليس في ذلك أكثر من تذكير بنعمة أنعمها الله على هؤلاء السكان.

أما اليوم وفي ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم في ظل عولمة الأحداث؛ يتسنى لنا أن نسهم ولو بسطور قليلة في التحسيس بالمشاغل اليومية لسكان هذه المقاطعة المعزولة، وبمعوقاتها التنموية لتنوير الرأي العام المحلي؛ الجهوي؛ الوطني والدولي حول أهمية هذه المقاطعة واحتياجاتها في مجال التنمية.

بداية أذكر بأن الاهتمام العالمي في مجال التنمية المستديمة ينصب حول مكافحة التصحر بشتى ظواهره المتنوعة؛ وتشجيع العمل في مجالات الزراعة بأنواعها؛ وفك العزلة: الجغرافية والتواصلية؛ ودعم الكادر البشري بكل ما يتطلب ذلك من تكوين وتأطير وتحسيس؛ إضافة الى خلق فرص عمل محلية؛ وتقديم الخدمات الاجتماعية الملائمة لتحقيق الحق الطبيعي لكل مواطن في العيش الآمن والكريم.

على هذا الأساس سألخص المعوقات الكبرى للتنمية في مقاطعة أوجفت (حسب وجهة نظري الخاصة)، في المحاور التالية:

المحور الأول: تدهور الوسط الطبيعي: يتميز الوسط الطبيعي لمقاطعة أوجفت بالتدهور الناجم عن الأسباب التالية:
1.
نقص المياه (للشرب والري): هناك نضوب خطير تشهده المياه السطحية المستغلة للري والشرب، أسهم في تعزيز ذلك النضوب عدم وجود بنى تحتية وهشاشة برامج الاستصلاح الريفي الواحاتي المتمثل في السدود والحواجز والأحواض المساعدة على استقرار المياه في الأوساط ذات التضاريس الجبلية الرملية الصعبة، إضافة الى قلة منشآت استغلال المياه الجوفية
 2.
زحف الرمال: الذي قضى على ثلثين من النخيل ومساحات الزراعة المطرية في لكراير وأماكن الرعي كما أدى الى سد الأودية (مجاري السيول) وقضى على الكثير منن نقاط المياه كالآبار والعيون، كما زحفت الكثبان على المساكن وسدت الطرق.  
3.
التصحر وتدهور الغطاء النباتي: وهو ما أدى الى اختلال بيئي خطير، حيث اختفى معظم الغطاء النباتي بفعل العوامل الطبيعية وأيادي البشر ولم يجد القليل الباقي من ذلك الغطاء عناية تشجعه على التكاثر ومقاومة تلك الظروف الصعبة.  
4.
عزلة المقاطعة عن محيطها الخارجي وصعوبة التنقل داخل أوديتها، مما عثر تنقل الأشخاص والبضائع داخل تضاريس غاية في الصعوبة، ضف الى ذلك أن عدم وجود أدوات تواصل محلي كالإذاعات مثلا يحول دون تنقل التجارب والأفكار.


المحور الثاني: ضعف مستوى الظروف المعيشية للسكان: والحاصل نتيجة لتراكم عدة أسباب من أهمها:
1.
ضعف مردودية الزراعة بشتى أنواعها: النخيل والخضروات والزراعة المطرية:
فيما يخص النخيل: فمقاطعة أوجفت تحتل (حسب المنظمة العالمية للزراعة والتغذية – الفاو-) المرتبة الأولى من حيث كثرة النخيل وعراقة وتنوع فصائله، على مستوى موريتانيا، لكن في المقابل لا يجد هذا المصدر الاقتصادي الهام من التشجيع إلا جهود السكان المحليين المتسمة غالبا بالتواضع، مع غياب شبه كامل لجهود الدولة في صيانة وترشيد وتثمين النخيل.
 
ولا يخفى على أحد منا دور النخلة في مجال التنمية وهو دور لا يحتاج لتأصيل لأن تجارب الأمم عبر التاريخ أثبتت ذلك، ولآن تنمية النخلة تنمية للإنسان نظرا لما يربط الاثنين من (وشائج و علاقات ود حميمة)، لقد شكلت النخلة في أودية أوجفت منذ القدم مصدر عيش (فريد) للسكان أسعفتهم في قحط الجفاف ولاذوا بها في زمهرير الحر ... واليوم و للأسف الشديد هناك كارثة حقيقية يواجهها النخيل،  حيث اندثرت غالبيته بفعل التصحر والعطش والأمراض والإهمال.
أما بالنسبة للخضروات: فمردوديتها  ضئيلة جدا، وذلك عائد أساسا لعدة أشياء منها التكاليف الباهظة لاستصلاح الأراضي، وشح مياه الري، وارتفاع تكاليف الحفر والمضخات والمحروقات والآلات الزراعية، إضافة الى الآفات الزراعية ونقص الخبرة الفنية للمزارعين، والمشاكل الأخرى المرتبطة بالتسويق وهي صعوبة النقل وضياع ذلك المنتوج لفوضوية التسويق وغياب آلات التخزين والحفظ وعدم وجود معامل للتجفيف.
فيما يتعلق بالزراعة المطرية: فتكاد تكون منقرضة حيث اختفت غالبية (لكراير) بفعل تأثير الجفاف  والتصحر وقلة الأمطار وتوازى مع ذلك إهمال ما تبقى منها.
2.
ضعف مردودية الثروة الحيوانية وتلاشي القطعان: حيث أدى الجفاف الى تدهور هذه الثروة كما أن عدم وجود آفاق محلية أو جهوية لتشجيع استغلال منتجات تلك الثروة من ألبان وجلود و أوبار أدى الى ضعف شديد في إسهام تلك الثروة بشكل فاعل في تحسين ظروف معيشة الساكنة
3.
ضعف الأنشطة و ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل: يلاحظ بشكل واضح قلة الأنشطة المدرة للدخل في المقاطعة و السبب في ذلك يعود الى عدة اعتبارات أبرزها نقص المشاريع التنموية القابلة لدمج الأفراد من خلال خلق فرص عمل ذات مردودية من جهة، ونقص الوعي والتكوين المهني لدى القوى الحيوية المحلية من الجهة الأخرى مما أدى الى تخلي تلك القوى عن الاستغلال السديد للمصادر الاقتصادية المحلية.
4.
نقص الدعم والتأطير: الناجمين عن تقصير السلطات العمومية في مجال التنمية المحلية للمقاطعة في إطار الإستراتيجية الجهوية والوطنية للتنمية ومكافحة الفقر، حيث يلاحظ أن تدخلات الدولة كانت شحيحة جدا وهشة وغير مدروسة، كما أن صدى ذلك الإهمال الذي يلاقيه المواطن من قبل الدولة يخلف بشكل بديهي صدمة وإحباط ينعكسان (بصورة سلبية) على تفكيره ومرودية نشاطه المتواضع أصلا.
5.
ضعف ميدان السياحة: تتميز مقاطعة أوجفت بمناظرها الطبيعية النادرة وقيمتها التاريخية والأثرية الهامة، مما يؤهلها لتكون قبلة للسياح من كل أصقاع العالم، ولأن توافد السياح الأجانب أصبح متعذرا للعديد من الاعتبارات (مرتبطة بتوتر الوضع الأمني على المستوى الدولي وتفشي ظواهر الإرهاب والمتاجرة بالأنفس وتسييس المغامرات)، يصبح من الضروري إيجاد حل لتلك الأزمة وهو ما يجعل تشجيع السياحة الوطنية (كبديل للسياحة الأجنبية) أمر وارد.
ولأن مقاطعة أوجفت تتميز بواحاتها الجميلة وأوديتها البديعة يمكن أن تستقطب الراغبين في الراحة والاستجمام من السياح الموريتانيين خلال مواسم الكيطنة، إذا ما أعطيت تلك الفكرة (السياحة الوطنية) ما يلزم من تحسيس  واعتبار.
 
المحور الثالث: نقص البني التحتية الاجتماعية الاقتصادية:  ويظهر ذلك على أكثر من ميدان، حيث يلاحظ نقص الطرق الممهدة الرابطة بين أودية وبلديات المقاطعة وتلك الرابطة بين المقاطعة ومحيطها الخارجي، كما أنه هناك نقص في السدود والحواجز الرملية والأحواض المساعدة في تسيير وترشيد المياه، ونقص المراكز والنقاط والأقسام الصحية، وهشاشة البنى التحتية التعليمية، غياب المنشآت الثقافية والرياضية كمراكز تأطير الشباب وأماكن الترفيه، غياب مراكز التكوين الفني والمهني (أو على الأقل تقديم الإرشاد الزراعي).


المحور الرابع: محدودية تأثير التدخلات التنموية؛ و عدم ديناميكية التنظيمات الاجتماعية المحلية:
في ظل هذه المشاكل التنموية التي ذكرنا آنفا (لا يمكننا بطبيعة الحال) أن نقول بأن تدخل الدولة والفاعلين التنمويين منعدم في هذه المقاطعة، لكننا نشير الى أن ذلك التدخل لم يؤثر إيجابيا على تنمية السكان ونرجع ذلك لعدة أمور منها:
1.
عدم مراعاة المتدخلين لأولوية السكان في مجال التنمية؛                                          
 2.
نقص تحسيس المستفيدين وتعميم مبادئ صيانة المنشآت العامة (كملك مشترك للسكان تجب حمايته)؛
3.
التأثير السلبي (للسياسة) ونقص الوعي التنموي؛
4.
نقص الخبرة في مجال التقييم والمتابعة والتسيير لدى التنظيمات المحلية مثل (رابطات التسيير التشاركي للواحات، رابطات آباء التلاميذ، التنظيمات الشبابية، التعاونيات النسوية، الجمعيات الغير حكومية، اتحادات المزارعين والمنمين والمهنيين ... الخ)،

5.
عدم إشراك ممثلين عن السكان (بشكل فعال) في الإشراف على تسيير المشاريع؛
6.
ارتباك المشاريع المتدخلة وعدم جدوائية بعض التدخلات؛
7.
عدم التنسيق بين المشاريع المتدخلة (صراع المصالح التنموية).

مقترحات عملية لتذليل الصعاب التنموية في المقاطعة.

في مواجهة هذه المعوقات التي تواجهها تنمية أوجفت، يجب أن ننظر (بجدية وتجرد من الريب والأغراض المتطرفة) الى أسرع وأرشد الطرق لتذليل هذه الصعاب لنتجاوز تلك المرحلة المتخلفة ونحقق (مشروع قطب تنموي طموح) يحقق أحلام سكان أوجفت ويلبي متطلباتهم التنموية.
في هذا الإطار بالذات أقترح مايلي:

أولا إنشاء مجلس محلي تنموي:  ويتكون هذا المجلس من الشخصيات التالية:
1.
السلطات الرسمية في المقاطعة؛
2.
المنتخبين المحليين (نائب المقاطعة، شيخها، عمد البلديات)؛  
3.
الشخصيات المرجعية (الأئمة والفقهاء والمفكرين، الزعامات التقليدية، أصحاب التجارب... الخ)؛
4.
ممثلين عن التنظيمات الاجتماعية في المقاطعة مثل: (رابطات التسيير التشاركي للواحات، رابطات آباء التلاميذ، التنظيمات الشبابية، التعاونيات النسوية، الجمعيات الغير حكومية، اتحادات المزارعين والمنمين والمهنيين ... الخ).

وتناط بهذا المجلس المهام التالية:
1.
تمثيل المقاطعة في المحافل التنموية الجهوية، الوطنية والدولية؛
2.
حشد الدعم لتنمية المقاطعة؛
3.
الإشراف (بالتعاون مع الممولين) على تنفيذ المشاريع التنموية؛
4.
خلق جو تنموي مناسب لتدخل الممولين عبر ترسيخ قيم الوطنية والمسؤولية والانسجام الاجتماعي في المقاطعة.

ثانيا تنظيم أيام تفكيرية تنموية: تنظم تلك الأيام في عاصمة المقاطعة بإشراف المجلس المحلي للتنمية وحضور الخبراء والفنيين ومختلف الشخصيات ذوي التجارب وممثلين عن هيئات التمويل الوطنية والدولية المهتمة بتنمية مقاطعة أوجفت، تتم خلال ذلك المؤتمر صياغة المخطط الاستراتيجي المحلي لتنمية مقاطعة أوجفت، ويكون منبرا لحشد التمويلات والتحسيس بمعوقات تنمية المقاطعة.

عبدي ولد البشير ولد أمحيحم
مهتم بقضايا التنمية
العنوان: الهاتف: 22627260/ 46907260
ouldbechir6@yahoo.fr

1 التعليقات:

ولد اوجفت يقول...

شكرا ولد امحيحم على مقالك الذي عالج إشكالية مهمة في مثاطعة أوجفت


المنشورات هنا لا تعبر بالضرورة عن رأي مدونة مقاطعة أوجفت