أليس من اللائق بنا أن نكون أولى من أهل الجاهلية بهذا السلام بين أبناء الوطن الواحد ؟!
ألا يجدر بنا أن نغتنم هذا الشهر الكريم بالعمل الصالح، وإشاعة الخير ؟!
إن لله تعالى نفحات، ينبغي علينا أن نتعرض لها بالطاعات، والبعد عن المعاصي والمنكرات، وشهر رجب من الأشهر المباركة، التي تتنزل فيها الرحمات، وترتفع فيها الدرجات؛ لأن شهر رجب من الأشهر الحُرم؛ قال تعالى :{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}... [التوبة : 36].
أَمَّا قَوْلُهُ: (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) فَقَدْ أَجْمَع العلماء عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا متواليات، وَهِيَ ذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَوَاحِدٌ فَرْدٌ، وَهُوَ رَجَبٌ.
وَهِيَ الَّتِي جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدة، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَر الَّذِي بَيْنَ جُمادى وَشَعْبَانَ".
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ تَحْرِيمِهَا إِلَى آخِرِ وَقْتٍ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَمَعْنَى الْحُرُمِ: أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِيهَا أَشَدُّ عِقَابًا، وَالطَّاعَةَ فِيهَا أَكْثَرُ ثَوَابًا، وَالْعَرَبُ كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا جِدًّا حَتَّى لَوْ لَقِيَ الرَّجُلُ قَاتِلَ أَبِيهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، فهي أشهر يسود فيها السلام، ويحرم فيها القتال !!!
ويأتي رَجَبٌ على رأس الأشهر الحرم لِأَنَّهُ أَكْمَلُ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ذَكَرَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ السَّخاوي فِي جُزْءٍ جَمَعَهُ سَمَّاهُ "الْمَشْهُورُ فِي أَسْمَاءِ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ".
أَنَّ الْمُحَرَّمَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ شَهْرًا مُحَرَّمًا، وَعِنْدِي أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ تَأْكِيدًا لِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَقَلَّبُ بِهِ، فَتُحِلُّهُ عَامًا وَتُحَرِّمُهُ عَامًا، قَالَ: وَيُجْمَعُ عَلَى مُحَرَّمَاتٍ، وَمَحَارِمَ، وَمَحَارِيمَ.
صَفَرٌ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُلُوِّ بُيُوتِهِمْ مِنْهُ، حِينَ يَخْرُجُونَ لِلْقِتَالِ وَالْأَسْفَارِ، يُقَالُ: "صَفِرَ الْمَكَانُ": إِذَا خَلَا وَيُجْمَعُ عَلَى أَصْفَارٍ كَجَمَلٍ وَأَجْمَالٍ.
شَهْرُ ربيع أول: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِبَاعِهِمْ فِيهِ. وَالِارْتِبَاعُ الْإِقَامَةُ فِي عِمَارَةِ الرَّبْعِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَرْبِعَاءَ كَنَصِيبٍ وَأَنْصِبَاءَ، وَعَلَى أَرْبَعَةٍ، كَرَغِيفٍ وَأَرْغِفَةٍ.
رَبِيعٌ الْآخِرُ: كَالْأَوَّلِ.
جُمَادَى: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجُمُودِ الْمَاءِ فِيهِ. قَالَ: وَكَانَتِ الشُّهُورُ فِي حِسَابِهِمْ لَا تَدُورُ. وَفِي هذا نَظَرٌ؛ إِذْ كَانَتْ شُهُورُهُمْ مَنُوطَةً بِالْأَهِلَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ دَوَرَانِهَا، فَلَعَلَّهُمْ سَمَّوْهُ بِذَلِكَ، أَوَّلَ مَا سُمِّيَ عِنْدَ جُمُودِ الْمَاءِ فِي الْبَرْدِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَيلَةٍ منْ جُمادى ذَاتِ أنْدِيَة ... لَا يُبْصِرُ العبدُ فِي ظَلماتها الطُّنُبَا ...
لَا يَنْبَحُ الكلبُ فِيهَا غَير وَاحدَةٍ ... حَتَّى يَلُفَّ عَلَى خُرْطُومه الذَّنَبَا ...
ويُجمع عَلَى جُمَاديات، كَحُبَارَى وحُبَاريات، وَقَدْ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، فَيُقَالُ: جُمَادَى الْأُولَى وَالْأَوَّلُ، وَجُمَادَى الْآخِرُ وَالْآخِرَةُ.
رَجَبٌ: مِنَ التَّرْجِيبِ، وَهُوَ التَّعْظِيمُ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَرْجَابٍ، ورِجَاب، ورَجَبات.
شَعْبَانُ: مِنْ تَشَعُّبِ الْقَبَائِلِ وَتَفَرُّقِهَا لِلْغَارَةِ وَيُجْمَعُ عَلَى شَعَابين وشَعْبانات.
وَرَمَضَانُ: مِنْ شِدَّةِ الرَّمْضَاءِ، وَهُوَ الْحُرُّ، يُقَالُ: "رَمِضَتِ الْفِصَالُ": إِذَا عَطِشَتْ، وَيُجْمَعُ عَلَى رَمَضَانات ورَماضين وأرْمِضَة قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "إِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ"؛ خَطَأٌ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
قُلْتُ: قَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ؛ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَبَيَّنْتُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ.
شَوَّالٌ: مِنْ شَالَتِ الْإِبِلُ بِأَذْنَابِهَا لِلطِّرَاقِ، قَالَ: وَيُجْمَعُ عَلَى شَوَاول وشَوَاويل وشَوَّالات.
الْقَعْدَةُ: بِفَتْحِ الْقَافِ - قُلْتُ: وَكَسْرِهَا - لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَنِ الْقِتَالِ وَالتَّرْحَالِ، وَيُجْمَعُ عَلَى ذَوَاتِ الْقَعْدَةِ.
الْحِجَّةُ: بِكَسْرِ الْحَاءِ - قُلْتُ: وَفَتْحِهَا - سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِيقَاعِهِمُ الْحَجَّ فِيهِ، وَيُجْمَعُ عَلَى ذَوَاتِ الْحِجَّةِ.
منقول:عرب نت 5
0 التعليقات:
إرسال تعليق